أبحاث الدماغ: كيف يعمل الدماغ في بيئات مختلفة وبخاصة خارج المنزل
هل نبدع أكثر عندما نخرج من منازلنا أم خلف مكاتبنا المعزولة الهادئة؟
هل نبدع أكثر عندما نخرج من منازلنا أم خلف مكاتبنا المعزولة الهادئة؟
السؤال الأكثر تداولاً في الأذهان: ماهي التغيرات التي تحدث للدماغ.ضمن بيئات مختلفة؟ وهل نبدع أكثر عندما نخرج من منازلنا أم خلف مكاتبنا المعزولة الهادئة؟
إليكم الدراسة الحديثة التي قام بها بعض الباحثين عن طريق إجراء اختبارات.على عدة أشخاص ضمن بيئات مختلفة (اختبارات ضمن مختبر معزول واختبارات خلال قيادة الدراجة في.الطبيعة)، لدراسة استجابة الدماغ وسرعة البديهة وفصل الحواس.
يوضح كايل ماثيوسون، الأستاذ المساعد في علم النفس بجامعة ألبرتا في كندا والمؤلف الرئيسي لبحث جديد نُشرَ في مجلة “أبحاث الدماغ“، قائلاً: “يبدو أن دماغك يعمل بجهد كبير أثناء ضغوط الحياة اليومية ويكون أقل نشاطاً عندما تكون بالطبيعة.”
دراسة ماثيوسون وفريقه البحثي، ومراقبة نشاط الدماغ في حالات مختلفة
قام ماثيوسون، مع طالبة الدراسات العليا جوانا سكانلون، بمراقبة نشاط الدماغ لاثني عشر.شخصاً أثناء استماعهم إلى سلسلة من النغمات التجريبية. وخلال هذا الاستماع تم الطلب من جميع المتطوعين الضغط.على زر معين في حال سماعهم إحدى نوعي الطنين المختارين للتجربة، وذلك لاختبار استجاباتهم الدماغية وردود الأفعال لديهم. تم القيام بهذه التجربة في بيئتين مختلفتين: أجريت الأولى منهما داخل مختبر .ضعيف الإضاءة وهادئ وفي وضعية الجلوس، وأجريت الثانية في موقع خارجي وعلى طول شارع وفي وضعية ركوب الدراجة.
اقرأ أيضاً: القطط والخداع البصري ومُربّيها أصبحوا باحثين
تمت مراقبة النشاط الدماغي للمشاركين في التجارب عن طريق تركيب أجهزة قياس وضعت في حقائب على ظهورهم لتسجيل تخطيط كهربائية الدماغ EEG والذي تم من خلاله قراءة استجابة P3 واستجابات أخرى بحيث تدعى هذه الاستجابات بالاستجابات التوجيهبة .
وبحسب علم الأعصاب،.فإنه يتم الرمز للاستجابات السلبية.(عدم الاستجابة) بالرمز N وهو اختصار لكلمة Negative، ويتم الرمز للاستجابات الإيجابية (حصول الاستجابة) بالرمز P وهو اختصار.لكلمة Positive، علماً أن هذه الاستجابات هي موجات يتم قياسها من مخطط (ERP event-related potential) وهو ما يدعى بمخطط الجهود المثارة بسبب الحدث. يجدر بالذكر هنا أن الأرقام التي تلي الأحرف P أو N تعبر عن.ذروة أطوال الموجات التي تقيس نشاط القشرة الدماغية، والذي يتخذ.من الأجزاء المئوية للثانية وحدة له (milliseconds)؛ لذا فإن P200 -وهو ما يطلق عليه P2 – قد تصل.أطوال موجته القياسية إلى ذروة قصوى وهي 200 ميلي ثانية.
إن ارتفاع رمز الاستجابة P2 يعني ارتفاع الجهد في الدماغ، وانخفاصه يعني انخفاض الجهد.الدماغي، والعكس صحيح بالنسبة لرمز الاستجابة N1.
أثناء إجراء التجارب في المختبر المعزول تمت ملاحظة انخفاض N1 الذي يرمز للاستجابة السلبية وارتفاع P2 الذي يرمز للاستجابة الإيجابية، وهذا ما يشير إلى ارتفاع الجهد الدماغي..كما لوحظ أثناء إجراء التجربة خلال قيادة الدراجة على طول الشارع ارتفاع N1 وانخفاض P2، وهو ما يشير إلى انخفاض الجهد في القشرة الدماغية.
اقرأ أيضاً: من منا يستطيع أن يقوم بالتحكم المعرفي؟
النتائج المفاجئة لأبحاث ماثيوسون
وبهذا حقق الباحثون هدفهم في التوصل إلى الدماغ في البيئتين مختلفتين، من خلال مراقبة التغييرات.التي طرأت على نشاط الدماغ عند ممارسة.نشاط معين، وتوصلوا إلى نتيجة مفاجئة نوعاً ما، وهي أنه حين كان.المتطوعون في الخارج يركبون دراجاتهم الهوائية، لم تكن أدمغتهم تستجيب بسرعة. للتجربة التي يقومون بها، ربما لأن أدمغتهم كانت مرهقة أو لأن انتباههم كان مشتتاً، وعزي ذلك لما يحيط بهم من محفزات متنافسة.
يقول ماثيوسون: إن نوعاً من الموجات الدماغية يُرى عندما يكون الدماغ في حالة.االراحة أو في حالة التأمل، والتي تمت ملاحظتها بشكل متكرر في المختبر، بينما اختفت هذه الموجات خارج المختبر وفي الهواء النقي.
ويضيف ماثيوسون أنه في البيئة أو المحيط الخارجي: “نسمع أصوات الحركة المرورية ونتأثر بمظاهر الازدحام وضجيج الأشخاص من حولنا، وكافة العوامل الخارجية من أشجار وطيور وريح وبرد؛.حيث أن مجمل الأحاسيس الناشئة بسبب هذه العوامل تخلق بيئة تتنافس مع النشاط الذي نقوم به.مما يجبر الدماغ على العمل بجهد أكبر لتحقيق ذات النتيجة المرجوة من النشاط.
إن ركوب الدراجة الهوائية في المحيط الخارجي لم يحدث تغييراً ملحوظاً في النشاط الدماغي لدى المتطوعين، وكذا الأمر بالنسبة لركوب دراجة التمرين الثابتة داخل المختبر.
ببساطة، إن التغيرات في نشاط دماغ المتطوعين لم يكن مرتبطاً بأمر ركوب الدراجة أو وجودهم في محيط خارجي؛ بل إنه لوحظ انخفاض نشاطهم الدماغي حين استماعهم لأصوات ضجيج في بيئة المختبر ذاتها.
اقرأ أيضاً: ألعاب تدريب الدماغ: هل تجدي نفعاً أم هي عبارة عن خدعة؟
الحاجة إلى تجارب أكثر لتعميم النتائج التي توصل إليها ماثيوسون
هناك حاجة ماسة إلى المزيد من الأبحاث، ومن السابق لأوانه معرفة فيما إذا كان تأثير هذه النشاطات الدماغية إيجابياً أم .سلبياً.
يقول ماثيوسون: “إن النتائج قد لا تنطبق على كل بيئة خارجية؛ فعلى سبيل المثال، قد لا تُجهد الطبيعة الهادئة الدماغَ بذات الطريقة التي يجهده بها ضجيج شارع المدينة المزدحم.
وتظهر الأبحاث السابقة مدى ارتباط الصحة الذهنية بقضاء الوقت في الطبيعة. يقول ماثيوسون: “لربما أظهرت نتائج تجاربنا أن للبيئة الخارجية تأثيراً قد يكون سلبياً على نشاطنا الدماغي؛ لكن الحقيقة تكمن في أن ازدحام الحركة المرورية والضجيج هو السبب الحقيقي لهذا التأثير، ولربما اختلف هذا التأثير في حال أجرينا اختباراتنا في أحضان الطبيعة.”
ويوضح ماثيوسون: “بالرغم من أن الأشخاص في الدراسة كانوا لا يزالون قادرين على إكمال الاختبار في الهواء الطلق، لكن استجابتهم المعرفية تراجعت، ومع أن المهام أصبحت – وبشكل تدريجي – أكثر صعوبة، إلا أن الباحثين استمروا بتكرار التجربة.”
ويخلص ماثيوسون إلى القول: “نعتقد أن هذه التجربة كانت سهلة للغاية وأننا لم نستطع استثمارها بالطاقة القصوى، لكننا سنحاول. في التجارب القادمة أن نزيد من صعوبة المهام تدريجياً لنكتشف عند أي مرحلة سيتوقف الدماغ عن الاستجابة.”
اقرأ أيضاً: نظام التعليم … لماذا يركّز على معدّل الدرجات أكثر من تطوير واكتشاف الذّات؟
يقول ماثيوسون إن الخبر السار هو أن الاكتشافات والتطورات التكنولوجية التي مكنتنا من الحصول على معدات صغيرة محمولة لمراقبة نشاط الدماغ، والمصممة للاستعمال أثناء الحركة تحت ظروف العوامل الجوية الخارجية، لم تجعل هذه الدراسة ممكنة فحسب، بل أنها ستساهم، وبشكل كبير، في تطور أبحاثنا القادمة.
وأخيراً يضيف ماثيوسون أن هذه التطورات ستفسح المجال واسعاً أمام أبحاث جديدة تتعلق بدراسة النشاط الدماغي للأشخاص في مواطنهم الاعتيادية.