قوة الكلمات وتأثيرها: هل هي مدمرة أم بناءة؟ وكيف نكوّن انطباعنا الشخصي عن ذاتنا؟

ما تأثير الكلمات وأحداث وقصص الحياة على هذه الانطباعات؟

من هو المسؤول عن تكوين انطباعاتنا الشخصية عن ذاتنا؟ وما تأثير الكلمات وأحداث وقصص الحياة على هذه الانطباعات؟

للكلمة وقع وتأثير على النفس البشرية، لأنها تحمل في طياتها قوة تتعاظم حينما نصدقها وتخبو عندما لا نؤمن بها. ومما لاشك به أن بعض الكلمات المسيئة أو الخاطئة تؤثر بشكل سلبي على ذاتنا، لا بل أنها قد تغير مسار حياتنا، وعلى العكس، فإن الكلمات الإيجابية أو البناءة تدفعنا إلى التقدم وترفع من معنوياتنا وقدرتنا على الإبداع والإنجاز.

اطّلعتُ في الاونة الأخيرة على العديد من مواضيع تنمية النفس، وبخاصة ما يتعلق بانطباعنا الشخصي عن ذاتنا،.وكيف يؤثر ذلك الانطباع في أبنائنا عندما يواجهون مرحلة انتقالية تؤثر فيها قراراتهم بشكل مصيري على حياتهم.

أعادت تلك القراءات الأخيرة إلى ذاكرتي الأحداث والقصص التي مررت بها عندما  كنت يافعاً، وتساءلت في نفسي إلى أي مدى أثرت كلمات والدّي بي؟ وهل كان أثر تلك الكلمات أو القصص دائماً على تكوين انطباعي الشخصي عن ذاتي؟

ستعود خائباً إلى وطنك، قالها الذي ذاق مرارة الغربة من شدّة حبه لي .

خاطبني والدي في سنتي الجامعية الأخيرة قائلاً: لا يبدو لي أنك ستتخرج قريباً لتصبح مهندساً ثم أشاح بوجهه عني،.لكن إيماءته ظلت تلاحقني وتصرخ بي: هل سأحيا لأرك مهندساً؟

كنت أعلم بتقصيري ولا أملك الوقت الكافي لتعويضه، لقرب موعد امتحاناتي و ثِقل أعبائي الدراسية،.لكن كلمات والدي اخترقت فؤادي وفجرت في الإصرار والإيمان بالذات وأشعلت قدراتي.

غادرني النوم منذ ذاك الحين، لأقضي الشهور الأخيرة من سنتي الدراسية في مطبخ بيتنا الصغير،.وعلى تلك الطاولة الدائرية صنعت ذلك المهندس الذي تفتخر به عائلتي.

لاحظ أنه في هذه القصة أن كلمات والدي ولغة جسده المتمثلة بتلك النظرة الحزينة رسمت انطباعاً شخصياً عن ذاتي بأني شخص مهمل لا يأبه بعائلته،تلك الصورة كانت السبب الرئيسي في نجاحي ولم تعقني، لا بل أنها أثرت في سلوكي وزادت من توقي للنجاح.

وبعد تخرجي جلست ووالدي على شرفة منزلنا طالباً المشورة في فكرة السفر والبحث عن العمل،.فأجابني: لا تسافر لأنك ستعود خائباً إلى وطنك.

وبالرغم من احترامي لشخص والدي وإيماني بتجربتة وتفهمي لحبه لي ولوطنه،.إلا أني كنت انظر إلى السفر على أنه فرصة للتعرف على ثقافات مختلفة.

سافرتُ مع تلك الكلمات التي استقرت في وجداني،.يوماً تعيق تقدمي ويوماً تسلب حريتي، إلى أن رسختْ انطباعي الشخصي عن ذاتي بأنني شخص ضعيف لا يمكنه النجاح.

ومرت سنوات عديدة، تجرعت فيها الفشل والغربة والألم كل يوم،.حتى انتابتني رغبة عارمة في استعادة ثقتي بنفسي وبأني شخص مبدع، منجز ومؤثر، حينها خطوت أولى خطواتي في مسيرة الإبداع.

وبعد مسيرة حافلة في مجال الإعلام والإعلان حققت نجاحات عديدة توجت بتنصيبي مستشاراً في عدة وزارات حكومية،.حينها عدت إلى وطني لاحتفل بنجاحي مع والدي.

لقد أثرت كلمات والدي بي وساهمت بشكل كبير في تكوين ذلك الانطباع الشخصي عن ذاتي في معظم مراحل حياتي، ثم  تلاشى ذلك التأثير السلبي بعد تجربتي واكتملت الصورة التي كنت أرسمها عن نفسي: أنا إنسان ناجح وأستطيع أن أفعل المستحيل.

لاحظوا أن ما أعاقني وقيّد سلوكي في القصة السابقة هو انطباعي الشخصي عن ذاتي،.فكلمات أبي وقوة تأثيرها سلبتني حريتي وحدّت من تقدمي. ولكن في النهاية، رسم إصراري الصورة الحقيقية عن ذاتي والتي كانت السبب الرئيسي في نجاحي.

ستطلق النار على نفسك، أنت شخص هزليّ …

بعد عدة سنوات هاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وحين مقابلتي الأولى لصديق طفولتي فاجأني بقوله:.ستطلق النارعلى نفسك، لأنك مستثمر متهور تحب المغامرة، أنصحك بالبحث عن عمل مستقر في إحدى المؤسسات الخاصة أو الحكومية.

وبعد استقراري صارحت أصدقائي برغبتي بتأسيس شركة متخصصة في مجال بيع وشراء العقارات،.فقال لي أحدهم: لن تنجح في هذا المجال فأنت شخص هزليّ، قد تستطيع أن تُضحك الناس لكن من الصعب أن تنال ثقة ملاك العقارات ما لم تكن جدياً وحازماً،.وقال الآخر: بما أنك لاتمتلك أي خبرة في هذا المجال فمن المستحيل أن تجد من يثق بك،.ولا تنسَ أنك محاط بحيتان العقارات، فكيف ستتمكن من منافستهم؟

اقرأ أيضاً: كتابة مقال جذاب: 7 خطوات أساسية لتصل إلى قلوب القراء

لم آبه بكلمات أصدقائي والتحقت بالجامعة العقارية،.وخلال بضعة أشهر حصلت على ترخيص مزاولة المهنة، وتمكنت في سنتي الأولى من شراء وبيع أربعة عقارات لعملائي وبملايين الدولارات.

إن للانطباع الشخصي عن الذات قدراً عالياً من الأهمية، يكتسبه بسبب تأثيره على حياتنا، فلتسأل نفسك: هل أعاقك يوماً انطباعك الشخصي عن ذاتك؟ أم هل كان لتجاربك وقصصك الشخصية ذاك التأثير على حياتك؟

نلاحظ أنه في القصة الأخيرة ضَعُفَ تأثير كلمات أصدقائي في انطباعي الشخصي عن ذاتي – الصورة الحقيقية التي كونتها عن نفسي – من خلال تجاربي وقصصي السابقة “أنا إنسان ناجح وأستطيع أن أفعل المستحيل”.

والسؤال هنا: كيف نرسم صورة مثالية لذاتنا؟ ومتى تصبح تلك الصورة حقيقية؟ وهل تشبثنا بالصورة الحقيقية عن أنفسنا كافٍ لنجاحنا؟

لا تتجاهل نجاحاتك، فعقلك البشري ليس مثالياً بالضرورة.

في البداية، لا بد من توضيح المعنى الحقيقي للنجاح. انظر إلى تجربتي الأولى لتجد أن انطباعي الشخصي عن ذاتي أي الصورة الإيجابية التي رسمتها لنفسي في النهاية كان: أنا إنسان ناجح وأستطيع أن أفعل المستحيل، ثم انظر إلى كلمات والدي التي أعاقتني في البداية فستجد أنها هي التي ولدت انطباعي الشخصي الأول عن ذاتي “أنا لن أنجح وسأعود خائباً إلى وطني”.

لذلك، فإن هذه التجربة التي رسخت في ذهني فكرة أني انسان ناجح و خلصتني من الانطباع الذاتي السلبي الذي قيدني هي النجاح الذي أقصده.

إن ما قصدته بقولي “لا تتجاهل نجاحاتك” هو رجاء مني لك بالتحيز إلى انطباعاتك الإيجابية التي رسختها في ذاتك، لا بل هو دعوة صريحة إليك للتخلص من كل انطباع سلبي نشأ وترعرع في داخلك لأن أحد ما حاول إقناعك بأنك شخص آخر.

ولا تنسى إن عقلك البشري ليس مثالياً بالضرورة، لأنه قد يوحي إليك أحيانا بالفشل متجاهلاً بعضاً من نجاحاتك، لكن تبقى أنت وحدك القادر على التمسك بالصورة المثالية لذاتك وهذا ما وضحته من خلال ما قصصته عليك من تجاربي الشخصية.

اقرأ أيضاً : 5 سلوكيات تدمر علاقاتك مع الجميع دون أن تشعر

هل تؤثر انطباعاتك الشخصية عن ذاتك في قرارتك؟ وهل يتحكم المجتمع في مصير حياتك؟

نشأت وترعرت في مجتمع شرقي تملؤه الرهبة من الأبوين، فذاك الأب هو ربٌ للأسرة أما الأم فهي التي تعدّنا لا بل تصنعنا جيلاً وراء جيل، وأمضيت حياتي متمسكاً بثقافة احترام الأبوين المتأصلة في مجتمعنا.

فمن هو صانع القرار؟ هل صنع جيلنا قراراته؟ أم هل أنا المسؤول عن اتخاذ جميع قراراتي؟ والجواب هنا ببساطة: لا.

عندما فكرت بشراء منزلٍ كان لوالدي حصة الأسد في ذلك القرار،.لم آبه بذلك، لكن تحكم والديّ في صناعة قرار زواجي كان له الأثر الواضح والجلي على حياتي.

على الرغم من أن تلك القرارات تعتبر قرارات مصيرية بسبب حجم تأثيرها على مجريات حياتي لكن هجرتي واختياري لعملي كانا من القرارت الأكثر مصيرية، لأن تأثيرهما لا زال مستمراً حتى يومي هذا.

وهنا يأتي السؤال: ما هو الوزن الذي يجب أن نعطيه للانطباع الذاتي عن أنفسنا؟ و إلى أي مدى نسمح لهذه الكلمات أو الآراء التي يفرضها علينا مجتمعنا أو عائلتنا أن تؤثر بنا ؟

لقد كان لكلمات أبي عن السفر وقع وأثر كبير في حياتي، لا بل أن وزنها كان مهولاً، وبالرغم من ذلك لم تثنيني تلك الكلمات عن السفر، لكن ربما أعاقت نجاحي في البداية إلى أن علا صوتي الداخلي ورسخ انطباعي الذاتي عن نفسي “أنا إنسان ناجح وأستطيع أن أفعل المستحيل”.

أعتقد أن القرارات المصيرية هي القرارات التي لايمكن التراجع عنها، فهي رحلة تمتد أعواماً عديدة و تساهم في صياغة الشكل النهائي لمسيرة الحياة.

وفي النهاية، عليك أن تدرك أن كل قرار يؤثر في مسار حياتك هو قرار مصيري، لذا يجب عليك التمسك بالصورة المثالية التي رسمتها عن ذاتك لا بل ترسخيها وجعلها مصدراً للقرارات المصيرية.

اقرأ أيضاً : 10 نصائح لتطوير الذات: كيف تنمي نفسك وتصبح شخصاً أفضل؟

تخلى عن تلك الصورة الضبابية المخادعة لأنك المرآة الحقيقة لنفسك:

الانطباع الشخصي عن الذات
تخلى عن تلك الصورة الضبابية المخادعة لأنك المرآة الحقيقة لنفسك

تخيل أنك ترى صورتك الحقيقية في مرآة لامعة شديدة النقاء، تعكس بوضوح كل تفصيل من تفاصيلك. وتخيل أن الظروف المحيطة بك تغيرت وتصاعد البخار وتكاثف شيئا فشيئا على شكل قطرات من الندى غطت تلك المرآة، واختفت معها صورتك الحقيقة وتلاشت معالمك وتشكلت تلك الصورة الضبابية المشوهة عنك.

صورتك الواضحة في المرآة هي صورتك المثالية التي رسمتها لذاتك، وقطرات الندى هي تجاربك الشخصية والكلمات المؤثرة في مسار حياتك، والصورة الضبابية المليئة بالقطرات هي انطباعك الشخصي عن ذاتك المتأثر بالكلمات.

اقرأ أيضاً : القرارات الصعبة و الأساليب الستة العلمية لتقييمها.

امسح ذلك الضباب المخادع عن مرآتك كل يوم و دع صورتك تظهر جلياً في تلك المرآة اللامعة شديدة النقاء، فهي الصورة الملهمة الحقيقة الصادقة عن نفسك التي تحتاجها عند اتخاذ كل قرار مصيري في حياتك.


اطلع على المواضيع الهامة المتعلقة بتطوير الذات ونمط الحياة (لايف ستايل)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى