إصابتك بكوفيد 19، مهما كانت خفيفة ستترك أثرا على دماغك

لم تتوصل الأبحاث بعد إلى معرفة مدى تأثير الإصابة بفيروس كورونا على الدماغ

منذ بدء انتشار وباء كوفيد 19 (كورونا) أخذ الباحثون على عاتقهم جمع أفكار جديدة وهامة حول تأثيره على الدماغ والجسم. إلا أن بعض المخاوف لا زالت قائمة بشأن آخر النتائج التي تم التوصل إليها، حيث تشير بعض الدراسات إلى احتمال أن يكون لفيروس كوفيد 19 تأثيرات بعيدة المدى على بعض العمليات الحيوية، خاصة لدى كبار السن.

انطلاقاً من كوني أخصائية بعلم الأعصاب المعرفي، ركزتُ في أبحاثي الأخيرة على فهم كيف تؤثر تغيرات الدماغ الطبيعية المرتبطة بالتقدم بالسن في قدرة الأشخاص على التفكير والحركة، خاصة في مرحلة منتصف العمر وما يليها.

جيسيكا برنارد

وبتطور الأبحاث، ظهر المزيد من الأدلة التي أثبتت أن تأثيرات فيروس كوفيد 19 على الجسم والدماغ قد تمتد لعدة أشهر بعد الإصابة بالعدوى، لا بل أكثر. لذا ركز فريقنا البحثي اهتمامه على استكشاف كيفية تأثير الفيروس على عملية التقدم الطبيعية في السن.

اقرأ أيضا: علاج جديد لكوفيد 19 يغير قواعد اللعبة

مراقبة استجابة الدماغ لكوفيد 19:

إن هذه الدراسة الأولية الواسعة النطاق، التي أجريت في شهر آب من عام 2021 بناءً على دراسة تغيرات. الدماغ عند الأشخاص المصابين ب كوفيد 19، جذبت الانتباه بشدة ضمن أوساط باحثي علم الأعصاب.

اعتمد الباحثون في تلك الدراسة على قاعدة بيانات في المملكة المتحدة تعود لعام 2014،.تدعى “بيو بنك” أو البنك الحيوي، وتحتوي على بيانات لصور دماغية لأكثر من 45000 شخصاً في المملكة المتحدة. مما يعني قطعاً توفر بيانات أساسية وصور دماغية لجميع أولئك الأشخاص قبل حدوث الجائحة.

قام فريق البحث بتحليل الصور الدماغية المتوفرة في قاعدة البيانات المذكورة، ثم أجرى مجموعة من الاختبارات الإضافية لأدمغة الأشخاص المصابين ب كوفيد 19 وقارن نتائجها ببيانات الصور الدماغية للأشخاص غير المصابين .

توخت هذه الاختبارات الدقة وركزت على انتقاء الشريحة المحددة من قاعدة بيانات البنك الحيوي،.والمطابقة لشريحة المصابين من حيث العمر والجنس،.ولم يغفل الباحثون عن أخذ موعد إجراء الاختبار الأساسي والمكان الذي أجريت فيه الدراسة بعين الاعتبار. وتمت أيضاً مراعاة عوامل الخطر الشائعة التي تؤثر في احتمالية الإصابة بالمرض مثل الظروف الصحية والوضع الاقتصادي والاجتماعي.

اقرأ أيضاً: هل تجدي ألعاب تدريب الدماغ نفعاً حقاً أم هي عبارة عن خدعة؟

نتائج الفريق البحثي المتعلقة بتأثير كوفيد على الدماغ:

وجد الفريق اختلافات في المادة الرمادية  – التي تتكون من أجسام خلايا عصبية تقوم بمعالجة المعلومات في الدماغ – بين الذين أصيبوا بكوفيد 19 والذين لم يلتقطوا عدوى كوفيد 19،.حيث لاحظ الباحثون انخفاض سماكة نسيج المادة الرمادية في مناطق الفص الجبهي والفص الصدغي في الدماغ عند المصابين بكوفيد 19 مقارنة بالمجموعة الأخرى من الأشخاص الذين لم يصابوا بالفيروس.

وبالرغم من أن التغير في حجم أو سماكة المادة الرمادية يعد أمراً طبيعياً لدى غالبية الأشخاص مع التقدم بالعمر،.إلا أنه لوحظ من خلال البحث أن هذه التغير تعاظم لدى المصابين بفيروس كوفيد 19.

ومن المثير للاهتمام أنه عند قيام الباحثين بفصل الأشخاص المصابين ب كوفيد 19 ممن تطلبت حالتهم دخول المشفى عن ذوي الإصابة المعتدلة، لاحظوا أن النتائج كانت متماثلة لدى الفئتين المصابتين، مما يعني أن فقدان حجم الدماغ لم يتأثر بحجم الإصابة.

وفي المرحلة الأخيرة قام الباحثون بدراسة التغيرات في أداء الوظائف المعرفية، ووجدوا أن المصابين بكوفيد 19 كانوا أبطأ في معالجة المعلومات مقارنة بغير المصابين.

وبالرغم من أن توخي الحذر أمر واجب في تفسير هذه النتائج إلى أن يتم عرضها بشكل رسمي على الزملاء الباحثين،.إلا أن دراسة ومقارنة هذا الحجم الهائل من العينات مع بيانات البنك الحيوي للأشخاص قبل وبعد إصابتهم ب كوفيد 19،.ومطابقتها الدقيقة مع الأشخاص غير المصابين، تضيف قيمة وأهمية بالغة لهذا البحث الأولي.

اطلع على أهم المواضيع المتعلقة بالأبحاث الطبية و العلوم

ماذا تعني التغيرات في حجم الدماغ؟

في المراحل الأولى من انتشار الوباء ركزت التقارير على أعراض الإصابة ب كوفيد 19، كفقدان حاستي التذوق والشم.

وعلى نحو لافت للنظر، وجد الباحثون أن مناطق الدماغ التي تأثرت بكوفيد 19 جميعها مرتبطة بالبصلة الشمية، وهي بنية دماغية تقع في الدماغ الأمامي وتنقل الإشارات من مستقبلات الشم في الأنف إلى مناطق الدماغ الأخرى. علماً أن البصلة الشمية تتصل بمناطق الفص الصدغي.

نحن غالباً ما نذكر الفص الصدغي في سياق الحديث عن الشيخوخة ومرض الزهايمر لأنه المنطقة التي يتواجد فيها الحُصين (قرن آمون) والذي يعتقد بأنه يلعب دوراً رئيسياً في الشيخوخة نظراً لتأثيره على الذاكرة والعمليات الإدراكية.

إن دراسة حاسة الشم ترتبط بأبحاث مرض الزهايمر،.حيث أظهرت بعض الدراسات أن المعرضين للإصابة به يعانون من ضعف هذه الحاسة.

في حين أنه من السابق لأوانه استخلاص أي استنتاجات حول الآثار طويلة الأمد للتغييرات الدماغية المتعلقة بفيروس كوفيد 19،.إلا أن دراسة تأثير هذه التغيرات على مناطق الذاكرة في الدماغ يكتسب أهميته من ارتباط هذه المناطق بأمراض أخرى كالزهايمر.

اقرأ ايضاً: تمارين كبار السن : تعزز المرونة وتقوي العضلات وتساعدها على الاسترخاء

أهمية النتائج المستخلصة حالياً في الكشف عن أسرار الشيخوخة مستقبلاً

تفتح هذه النتائج الحديثة الباب أمام أسئلة مهمة لم يتم الإجابة عنها بعد مثل: ما مدى ارتباط وتأثير هذه التغيرات الدماغية التي يسببها كوفيد 19 على عملية الشيخوخة؟ وإلى أي مدى يمكن للدماغ  التعافي من العدوى الفيروسية مع مرور الوقت؟

تستكمل جيسيكا حديثها قائلة: تبقى هذ الأسئلة مثار بحث مفتوح،.ولقد بدأت بالفعل بإجراء بعض الدراسات البحثية في مختبري الخاص بالتزامن مع العمل الجاري لدراسة شيخوخة الدماغ.

يظهر عملنا المخبري أنه مع تقدم الناس بالعمر يمارس الدماغ وظائف التفكير ومعالجة المعلومات بشكل مختلف. كما لاحظنا أنه مع مرور الوقت تظهر تغيرات في كيفية تحريك الناس لأجسامهم وكيفية تعلمهم لمهارات حركية جديدة على المدى الطويل.

أظهر البحث على مدى عقود عديدة أن البالغين الأكبر عمراً يجدون صعوبة في فهم المعلومات ومعالجتها،.كتلك المتعلقة بتحديث قائمة البقالة التي تحفز النشاط الدماغي،.إلا أنهم يجيدون الحفاظ على معرفتهم واسترجاع الحقائق والمفردات. أما فيما يتعلق بالمهارات الحركية الدقيقة، فنحن نعلم بأن كبار السن يستمرون بالتعلم، ولكن بوتيرة أقل مقارنة بالشباب.

عندما يتعلق الأمر ببنية الدماغ، فإننا عادة نرى انخفاضاً في حجم الدماغ لدى البالغين الذين تخطوا 65  من العمر. إن هذا الانخفاض لا يتركز فقط في منطقة واحدة، بل يتعداها إلى عدة مناطق من الدماغ. كما نجد عادة ازدياداً في السائل النخاعي الذي يملأ الفراغ الناجم عن فقدان نسيج الدماغ.

إن المادة البيضاء العازلة الموجودة على المحاور العصبية، والتي تعتبر بمثابة كابلات طويلة تنقل الشحنات الكهربائية بين الخلايا العصبية، تتضرر أيضاً عند البالغين الأكبر سناً.

مع ارتفاع متوسط العمر في العقود الماضية نتوقع ازدياد عدد الأشخاص المسنين والطامحين بحياة سعيدة..لكن الشيخوخة تحمل لنا العديد من التغيرات في طريقة التفكير والحركة حتى لو لم نصب بمرض مزمن أو نتعرض لإعاقة دائمة.

إن حل هذا اللغز سيساعدنا في الكشف عن أسرار الشيخوخة والمضي قدماً في العمل على تحسين نوعية حياة كبار السن. وسيساعدنا ذلك أيضاً على فهم مدى إمكانية تعافي الدماغ بعد الإصابة كوفيد 19.

اقرأ أيضا : لقاح فايزر فعال ضد متحور دلتا بحسب دراسة في جنوب أفريقيا

المصدر
sciencealertsciencealert.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى