ما هي العلاقة بين الذاكرة والانتباه واتخاذ القرار؟ وما الذي يحدث في أدمغتنا؟
الذاكرة والانتباه واتخاذ القرار موضوع أثار فضول باحثي علوم الأعصاب
الذاكرة والانتباه واتخاذ القرار موضوع أثار فضول باحثي العلوم العصبية في جامعة لوند السويدية.
تخيل أنك ذهبت إلى السوبر ماركت للتسوق لأن حماتك ستأتي اليوم لتناول العشاء ووقعت في حيرة لتعدد أنواع المنتجات وأشكالها وألوانها، لدرجة أصبح معها الاختيار صعباً وتجد نفسك في اللحظة الأخيرة متردداً فتعيد بعض المنتجات التي ظننت أنك ترغب بشرائها والتي وضعتها في سلة التسوق الخاصة بك إلى رفوف المتجر؟
اعتمد الباحثون في السابق على حركة العين لفهم أسباب انجذابنا للمنتجات عند التسوق، لكنهم لجؤوا مؤخراً إلى استخدام النماذج الحسابية والتي تلعب العمليات المعرفية في الدماغ الدور الرئيسي فيها لأنهم وجدوا أنها أقرب للحقيقة.
إن أدمغتنا تتعامل يومياً مع العديد من هذه القرارات والتي غالباً ما نتخذها في اللحظة الأخيرة. ومثال على ذلك، وقوفنا في السوبر ماركت أمام رفّ مليء بشتى أنواع المعكرونة،.لكننا في النهاية نتخذ قراراً باختيار معكرونة فوزيلي ذات العبوّة الزرقاء مثلاً.
فما الذي يكمن وراء عملية صنع القرار هذه؟
في العقود الأخيرة، بدأ الباحثون في النظر بتمعن إلى ما نوليه من اهتمام حين اتخاذ قراراتنا. ومع ذلك، لم يتم إجراء العديد من الأبحاث في البيئات الطبيعية،.لا بل تم إجراء معظم الأبحاث في المختبرات على الرغم من اختلاف الظروف المخبرية عن الواقع.
اقرأ أيضا : تحسين الذاكرة : ما هي الطريقة الأسهل علميا للتعلم بسرعة والتذكر
إذا وقعت في مسألة الاختيار بين خمسة أنواع مختلفة من الحلويات، فما الذي ستختاره؟
تمكن الباحثون في السابق من تتبّع حركة العين لفهم الانتباه البصري للمستهلك، والآن يتطلعون للتعمق في البحث بهدف اكتشاف رؤى جديدة، من خلال تحليل كيفية ارتباط حركات العين بعملية الاختيار وتحليل طرق بناء الذاكرة.
تقول أنيكا والين، الأستاذة المساعدة في العلوم المعرفية بجامعة لوند، والتي طالما اهتمّت بكيفية وأسباب اتخاذ المستهلكين لقراراتهم:
وبما أننا معنيون بالقرارت الفعلية المبنية على أساس الإرادة الشخصية للأفراد حصراً،.لذا فأن فهم هذا النوع من البيانات يصبح في التو أمراً مختلفاً وبشكل جذري. ولنفترض مثلاً أنك من محبي طعم قالب حلوى الشوكلاته لدرجة أنك تعتبره الأكثر شهية في العالم، فذلك لا يعني أنا هذا الطعم هو المفضل لدى شخص آخر، ومن هنا أتت ضرورة التعمق في البحث استناداً إلى الإرادة الشخصية.
ما القرار الذي سينتهي بك المطاف باتخاذه؟ وما الذي ستضعه في سلة تسوقك في نهاية الأمر؟
قامت الباحثة والين وزميلها كيرستن جيدلوف، الحائزة على درجة الدكتوراه في العلوم المعرفية من جامعة لوند السويدية والمتخصصة في دراسة سلوك المستهلكين، بالتحقق من كيفية اتخاذنا لقراراتنا في بيئة واقعية بعيداً عن ظروف المختبر، وركزت دراستهما على بيئة متاجر البقالة العامة.
لقد زودوا المتسوقين بنظارات عادية بسيطة تستطيع تسجيل حركات أعينهم عند قيامهم بجولة تسوق اعتيادية.
إلى ماذا نظر المستهلكون؟ وما الذي وضعوه في سلة التسوق الخاصة بهم؟
لم يكن يقتصر تركيز الدراسة على كيفية عرض المنتجات على الرفوف،.أو لونها وشكلها الذي كانت عليه فحسب، وإنما تعداها ليدرس رغبات المتسوقين أنفسهم أيضاً. فكم يؤثر سعر المنتج على قرار اختياره؟ وما هي أهمية مواصفات المنتج، كنسبة السكر المنخفضة فيه، أم هل يؤثر بلد المنشأ على عملية الاختيار هذه؟
عند ذهابك للتسوق لشراء حاجتك بعد يوم عمل شاق، فإن قرارت تسوقك سوف ترتبط بشكل كبير بالغاية من ذهابك للمتجر.
مهما كانت الوسيلة التي يسعى بها المتجر لجذب انتباهنا، وأيا كان بريق منتجاته أو حجم أرففه المكدسة بصنف واحد من البضائع، فإن غايتنا من الزيارة ستطغى على تقييمنا الخاص لهذه المنتجات. قد نتفاجأ بحجم ذاك الرف الواسع والمليء بعدد لا يحصى من علب البن والشاي، لكن ما الذي يجذبنا إليه؟ هل هو التصميم الأنيق لعلبة القهوة، أو الشاي العضوي السيريلانكي غالي الثمن،.أو ذلك العرض الخاص على منتج البن من تلك العلامة التجارية؟
اعتمد البحث على رغبة الباحثين في تحليل مدى تأثر عملية انتقاء المنتج بالصراع القائم بين العوامل البصرية الخارجية (من تصاميم وأساليب عرض)، وضرورات التسوق بالنسبة للمستهلكين. واستخدام الباحثون لهذا الغرض نظاماً حاسوبياً مؤتمتاً يعتمد على الذاكرة والانتباه ليساعدهم في فهم آلية اتخاذ القرار.
اقرأ أيضاً : القرارات الصعبة التي لن تندم على اتخاذها
تطوير النظام الحاسوبي المؤتمت
اتفق فريق البحث لجامعة لوند والمؤلف من كريستيان بالكينيوس، الأستاذ الرائد في العلوم المعرفية، وتروند توسوثيم، طالب الدكتوراه في العلوم المعرفية، والذين انضما جنبا إلى جنب مع أنيكا والين وكيرستين جيدلوف، على استخدم نظام حاسوبي مؤتمت يبيّن كيفية تنظيم الإدراك وطرق بناء الانتباه والذاكرة.
وبتمويل من eSSENCE ،وهو برنامج بحث استراتيجي مختص بالعلوم الإلكترونية تمخض عن تعاون استراتيجي بين الجامعات ،سيتمكن الباحثون من البدء بدراسة كيفية تطوير هذا النظام الحاسوبي تقنياً. فلمعرفة مالذي يحدث داخل الدماغ نحتاج جهازاً حاسوبياً خارقاً والكثير من الصبر.
بفضل نتائج أبحاثنا السابقة، استطعنا الحصول على مجموعة كبيرة من البيانات والمعلومات الأخرى الممكن دمجهما. ففي كل مرة تنظر فيها إلى سلعة ما، تزودنا نظارتك ببيانات مرجعيّة لتجاربنا عن سلوكك في بيئة واقعية. فنحن نولي اهتماماً بالغاً للتفاعل بين العوامل الداخلية والخارجية في تجاربنا وأبحاثنا.
الباحثة أنيكا والين
يأمل الباحثون أن تظهر بيانات هذه التجربة المعقدة والفريدة، ما إذا كانت بعض العوامل ستتمكن من تحديد ما يحدث داخل الدماغ عندما تتم عملية اتخاذ القرار، لأن ذلك الأمر سيمكّنهم من متابعة تحقيقات أبحاثهم.
لم يسبق أن ارتبطت الفوضى البصرية في المتجر بعملية التقييم واتخاذ القرارات، لذا فإن هذه الأبحاث تمثل قطعة من لغز بالغ الأهمية، سيمهد حله الطريق أمام فهم آلية اتخاذ القرارات والتي لا تنطلق من الفراغ، بل من دراسة بيئات معقّدة كبيئة المتجر.
اهتمت والين منذ أمد بالقرارات التي نتخذها بشكل يومي متكرر والتي تصبح شبه عادة لكثرة ممارستها، لأن هذا النوع من القرارات باعتقادها هو حجر الأساس لتحليل وفهم كيفية تفكير الأشخاص بقرارتهم وآلية صنعها.
نحن كباحثين، بحاجة إلى تطوير التفاعل بين العوامل الداخلية والخارجية التي نبني عليها تجاربنا لفهم آلية الاختيار واتخاذ القرارت. ما الذي حدث في الواقع وأنت تسير لشراء المعكرونة؟ وماذا فعل الطبيب عند لقاء مريضه،و كيف ننظر إلى الحقائق التي نجمعها عن كوفيد-19؟
البشر كائنات معقدة وكثير من الأمور تحدث حولنا وتؤثر علينا كأفراد، لذا أطمح إلى تعزيز فهم تلك الديناميكية.
اعجبتني دراسة فكرة فهم الية صنع اتخاذ القرارات